سورة الانشقاق - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الانشقاق)


        


{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)}
حذف جواب إذا ليذهب المقدر كل مذهب أو اكتفاء بماعلم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار. وقيل: جوابها ما دلّ عليه (فملاقيه) أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه. ومعناه: إذا انشقت بالغمام، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25]، وعن علي رضي الله عنه: تنشق من المجرّة أذن له: استمع له. ومنه قوله عليه السلام: «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبيّ يتغنى بالقرآن» وقول حجاف بن حكيم:
أَذِنْتُ لَكُمْ لَمَّا سَمِعْتُ هَرِيرَكُمْ ***
والمعنى: أنها فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ولم يأب ولم يمتنع، كقوله: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]، {وَحُقَّتْ} من قولك هو محقوق بكذا وحقيق به، يعني: وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع. ومعناه الإيذان بأنّ القادر بالذات يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك {مُدَّتْ} من مدّ الشيء فامتدّ: وهو أن تزال جبالها وآكامها وكل أمت فيها، حتى تمتدّ وتنبسط ويستوي ظهرها، كما قال تعالى: {قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه: 106 107]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: مدّت مدّ الأديم العكاظي؛ لأن الأديم إذا مدّ زال كل انثناء فيه وأمت واستوى أو من مدّه بمعنى أمدّه، أي: زيدت سعة وبسطة {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} ورمت بما في جوفها مما دفن فيها من الموتى والكنوز {وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال: تكرم الكريم، وترحم الرحيم: إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} في إلقاء ما في بطنها وتخليها.


{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
الكدح: جهد النفس في العمل والكدّ فيه حتى يؤثر فيها، من كدح جلده: إذا خدشه ومعنى {كَادِحٌ إلى رَبّكَ} جاهد إلى لقاء ربك، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء {فملاقيه} فملاق له لا محالة لا مفرّ لك منه، وقيل: الضمير في ملاقيه للكدح {يَسِيراً} سهلاً هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال.
وعن عائشة رضي الله عنها: هو أن يعرّف ذنوبه، ثم يتجاوز عنه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يحاسب يعذب» فقيل يا رسول الله: فسوف يحاسب حساباً يسيراً. قال: «ذلكم العرض، من نوقش في الحساب عذب» {إلى أَهْلِهِ} إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين. أو إلى فريق المؤمنين. أو إلى أهله في الجنة من الحور العين {وَرَاءَ ظَهْرِهِ} قيل: تغلّ يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله من روءا ظهره.
وقيل تخلع يده اليسرى من وراء ظهره، {يَدْعُو ثُبُوراً} يقول: يا ثبوراه. والثبور: الهلاك. وقرئ {ويصلى سعيراً} كقوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94]، ويصلى: بضم الياء والتخفيف، كقوله: {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115]، {فِى أَهْلِهِ} فيما بين ظهرانيهم، أو معهم، على أنهم كانوا جميعاً مسرورين، يعني أنه كان في الدنيا مترفا بطرا مستبشراً كعادة الفجار الذين لا يهمهم أمر الآخرة ولا يفكرون في العواقب. ولم يكن كئيباً حزيناً متفكراً كعادة الصلحاء والمتقين وحكاية الله عنهم {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26] {ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} لن يرجع إلى الله تعالى تكذيباً بالمعاد. يقال: لا يحور ولا يحول، أي: لا يرجع ولا يتغير. قال لبيد:
يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ ***
وعن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حوري، أي: أرجعي {بلى} إيجاب لما بعد النفي في {لَّن يَحُورَ} أي: بلى ليحورنّ {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} وبأعماله لا ينساها ولا تخفى عليه، فلا بدّ أن يرجعه ويجازيه عليها. وقيل: نزلت الآيتان في أبي سلمة بن عبد الأشدّ وأخيه الأسود بن عبد الأشد.


{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}
الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه في إحدى الروايتين: أنه البياض. وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عنه، سمي لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان: رقة القلب عليه {وَمَا وَسَقَ} وما جمع وضم، يقال: وسقه فاتسق واستوسق. قال:
مُسْتَوْسِقَاتٌ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا ***
ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين: اتسع واستوسع. ومعناه: وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها {إِذَا اتسق} إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. قرئ: {لتركبن} على خطاب الإنسان في {ياأيها الإنسان} ولنركبن، بالضم على خطاب الجنس، لأن النداء للجنس؛ ولتركبن بالكسر على خطاب النفس، وليركبن بالياء على: ليركبن الإنسان. والطبق: ما طابق غيره. يقال: ما هذا بطبق لذا، أي: لا يطابقه. ومنه قيل للغطاء الطبق. وإطباق الثرى: ما تطابق منه، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها: طبق. ومنه قوله عز وعلا {طَبَقاً عَن طَبقٍ} أي حالاً بعد حال: كل واحدة مطابقة لأختها في الشدّة والهول: ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة، من قولهم: هو على طبقات. ومنه: طبق الظهر لفقاره الواحدة: طبقة، على معنى: لتركبنّ أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.
فإن قلت: ما محل عن طبق؟ قلت: النصب على أنه صفة لطبقاً، أي: طبقا مجاوزاً لطبق. أو حال من الضمير في لتركبنّ، أي: لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق. أو مجاوزاً أو مجاوزة، على حسب القراءة: وعن مكحول: كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه.

1 | 2